مقال يهمك

24‏/02‏/2012

لماذا تستمر المعونة الأمريكية رغم الأزمات؟

فى صيف عام 1972، وبعدما فاجأ الرئيس أنور السادات العالم بطرد الآلاف من الخبراء السوفييت الموجودين فى مصر. كان رد الفعل الأمريكى دليلا كافيا للتعرف على ما تمثله مصر من أهمية للإستراتيجية الأمريكية. وزير الخارجية الشهير هنرى كيسنجر ذكر «لو اتصل الرئيس السادات تليفونيا بواشنطن وطلب أى شىء قبل طرد الخبراء السوفييت من مصر، لكان حصل على ما أراد، إلا أنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجانا»، أما الرئيس ريتشارد نيكسون فسارع بتوجيه رسالة عاجلة للرئيس السوفييتى ليونيد بريجينيف ذكر فيها عدم علمه المسبق بما أقدم عليه الرئيس المصرى، وعدم وجود دور لواشنطن فى هذه الخطوة المفاجئة، وأكد أن الولايات المتحدة لن تتخذ أى خطوات بناء على هذه التطورات المهمة.
تدل تلك الحادثة التاريخية على أهمية ما تمثله مصر فى إستراتيجية أى قوى كبرى فى الشرق الأوسط. إلا أنه ورغم ذلك خرجت أصوات كثيرة فى واشنطن تنادى بضرورة الرد القوى على ما يعد تصعيدا مصريا كبيرا فى الأزمة الحالية بين الدولتين، وأجمعت أراء متعددة من داخل الإدارة الأمريكية وخارجها على أن الرد الأقوى يتمثل فى وقف المساعدات العسكرية التى تقدم سنويا لمصر ومقدارها 1.3 مليار دولار، غير أن هناك أسبابا قوية يقدمها المدافعون عن استمرار المعونة، أهمها:
 1- لأنها تخدم مصالح واشنطن
 يمثل الكونجرس الجهة الأكثر تشددا فى تهديداته بقطع المساعدات، إذ عبر عشرات الأعضاء من مجلسى الشيوخ والنواب يمثلون الحزبين الديمقراطى والجمهورى على ضرورة وقف المساعدات إذا لم تفرج مصر عن المواطنين الأمريكيين. إلا أن السيناتور لينسى جراهام، الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية، يرى أن تقديم المساعدات يخدم مصالح واشنطن، ويؤكد أن الجيش المصرى وقف حائلا دون سيطرة الراديكاليين على سدة الحكم فى مصر.

وقال لينسى قبل أيام: نحن نعيش فى عالم شديد الخطورة، وتقديم معونات خارجية يخدم أهدافنا الإستراتيجية.. قطعنا المساعدات للجيش المصرى هو بمثابة قطع رقابنا بأيدينا.





2- لحماية التعاون (السرى)



رغم أن المساعدات ليست هبات مجانية، وما هى إلا وسيلة لخدمة الأهداف الأمريكية، ولها مقابل، فإن الكثيرين يستغربون لماذا لا تقوم القاهرة بتعريف دوائر واشنطن بالأهمية غير العادية للمصالح الأمريكية. وكثيرا ما كان يستغرب المراقبون فى واشنطن سكوت النظام المصرى السابق على الانتقادات والضغوط العلنية من قبل إدارة جورج بوش خلال سنوات حكمه الثمانى فيما يتعلق بسجل نظام الرئيس مبارك فى مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومصدر الاستغراب ينبع من معرفتهم وإدراكهم لما تقدمه مصر من خدمات إستراتيجية للولايات المتحدة بدءا من التعاون الأمنى والاستخباراتى الذى تحافظ القاهرة على سرية ملفاته! وانتهاء بأدوار تلعبها مصر فى القضايا الإقليمية المهمة مثل ملف عملية السلام وملف إيران.



وتعيد أزمة المنظمات الأمريكية للأذهان خبرة عام 2006 عندما توترت علاقات الدولتين أثناء حكم جورج بوش، طلب بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى تقريرا وافيا عن المساعدات العسكرية التى تقدمها بلادهم لمصر. وطالب الأعضاء معدى الدراسة بالتركيز على ما تكسبه وتجنيه واشنطن من جراء تقديمها لهذه المساعدات.





3ـ لأنها ضرورية عـند الحرب



وأشار تقرير قدمه للكونجرس مكتب محاسبة الإنفاق الحكومى U.S. Government Accountability Office، والذى جاء فى 43 صفحة، وهو موجود بالكامل على موقع المؤسسة الالكترونى، إلى كم كبير من المصالح الأمريكية التى تم خدمتها نتيجة تقديم مساعدات عسكرية لمصر. وعلى سبيل المثال، فقد سمحت مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام أجوائها العسكرية، وخلال الفترة من 2001 ــ 2005، سمحت مصر 36553 مرة بعبور طائرات عسكرية أمريكية الأجواء المصرية، وشهدت تلك الفترة بدء الحرب الأمريكية فى أفغانستان 2001، والعراق 2003.



كما منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج. كذلك لا تلتزم السفن الأمريكية التى تحمل أسلحة نووية، سواء كانت سفنا أو غواصات، بإبلاغ السلطات المصرية 30 يوما مقدما بمرورها.



ويدل إبقاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما على نفس مستوى المساعدات المفترض تقديمها لمصر العام المقبل 2013 عند 1.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية و250 مليون دولار للمساعدات الاقتصادية، على عدم استعداد واشنطن للمخاطرة بمصالحها فى المنطقة بوقف مساعداتها لمصر.





4- لأنها ضمان للصداقة



كما عبر رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسى عن معارضته الكبيرة لقطع المعونات العسكرية لمصر، وأضاف الجنرال ديمبسى أمام جلسة فى مجلس الشيوخ الأمريكى أمس أن قطع المساعدات العسكرية، البالغة 1.3 مليار دولار سنويا، من شأنه أن يبعد الأجيال القادمة من الضباط العسكريين المصريين عن الولايات المتحدة. وقال ديمبسى: «قطع المعونات وبالتالى الانقطاع عنهم يعنى أن الجيل القادم لن يتاح له تلك الفائدة (الروابط الوثيقة مع الجيش الأمريكى). والحق أقول لكم إننى لا أعرف إلى أين سيأخذنا ذلك!





المعونة على طريق (الخفض التدريجى)



كانت المعونة الأمريكية لمصر، منذ بدايتها عقب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل وحتى تعديل شكلها بحسب الاقتراح الذى تتم دراسته أخيرا بتحويلها إلى صندوق للوقف، ــ مثارا للخلاف والجدل حول أهميتها، والطرف الأكثر استفادة منها، والضغوط السياسية التى تجلبها، وإمكانية التخلى عنها. ارتبط حصول مصر على المعونة الأمريكية بعودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة، ثم بتوقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.



وحصلت مصر على معونة اقتصادية بقيمة 815 مليون دولار سنويا من الولايات المتحدة، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد وحتى عام 1998، قبل أن يتم الاتفاق على تخفيضها تدريجيا بنسبة 5% سنويا، لتصل إلى 415 مليون دولار عام 2008، ثم قامت إدارة بوش بتخفيضها بأكثر من 50% فى موازنة عام 2009، لتصبح 200 مليون دولار، بالإضافة للمعونة العسكرية البالغة نحو 1.3 مليار.





مشروعات المعونة



وقد مولت المعونة الاقتصادية خلال السنوات الـ32 الماضية مجالات متعددة، تخدم كلا من الطرف المصرى والأمريكى، منها تغطية قيمة واردات مصر من السلع الأمريكية، والمساهمة فى تكاليف مرافق البنية الأساسية بما فى ذلك مياه، وصحة، وكهرباء، واتصالات، ونقل، وصناعة، بالإضافة للخدمات الصحية، وخدمات تنظيم الأسرة، وتطوير التعليم، والزراعة، والبيئة. كما تم توجيه جزء منها فى شكل معونة غذائية.



واتخذ جانب من الإنفاق شكل المساعدات الفنية والمشورة فى مجالات تشجيع سياسات الإصلاح الاقتصادى وتدعيم المؤسسات غير الحكومية. وبدأ حجم المعونة يتقلص فى السنوات الأخيرة، بالإضافة لتوجهها بعيدا عن مشروعات البنية التحتية، ومساهمتها بشكل أكبر إلى دعم بعض البرامج الخاصة بالتعليم، ومحو الأمية الخاصة بالفتيات الريفيات، بالإضافة إلى تدريب القيادات الشابة فى الجهاز الإدارى، والصحفيين المصريين.





الثمن السياسى



رغم أن المعارضين من الساسة أو الاقتصاديين لم ينكروا استفادة مصر من المعونة فى عدد محدد من مشاريع البنية التحتية، فإن الكثيرين منهم يرون أن الضغط الذى تمارسه الإدارة الأمريكية من خلال سلاح المعونة لا يوازى حجمها أو ما تمثله من إجمالى ما تنفقه مصر، لذلك ظهرت مطالبات كثيرة على مر السنوات بالتخلى عنها.



كذلك فإن الكثيرين رأوا أن الولايات المتحدة استفادت بجزء كبير من هذه المعونة، حيث وجه لدعم المزارع والمنتج الأمريكى، من خلال ربطها بواردات وشركات ومستشارين أمريكيين، كما يرى اقتصاديون مصريون أن المعونة لم تتجه إلى مساعدة الاقتصاد المصرى على الدخول فى الصناعات التى من شأنها أن تحقق قفزة تكنولوجية كبيرة تساعدها على التنمية الحقيقية.



وفى 2010 كانت مفاوضات بين الحكومتين المصرية والأمريكية قد بدأت لتأسيس صندوق وقف يكون بديلا للمعونة، وقد اختلف الطرفان وقتها حول تقديرات المبالغ التى ستودع فى الصندوق وكيفية إداراته. فبينما قدرت مصر حجم أموال الصندوق بـ4 مليارات دولار خلال عشر سنوات، تساهم أماها مصر بـ4 مليارات جنيه، فإن تقديرات الجانب الأمريكى لم تزد على 295 مليونا خلال خمس سنوات، تساهم فيها مصر بنحو 45 مليون دولار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق