مقال يهمك

22‏/06‏/2012

قصة ملوك ورؤساء مصـر مع «اليمين الدستورية»


فؤاد احتفـل بتنصيبه فـــــى موگـب من قصـر البستان إلـــى سراى عابدين احتفالات أسطورية يوم تنصيب فاروق فى مجلس النواب وكل المديريات نجيب يؤدى اليمين أمام «قيادة الثورة».. وعبد الناصر والشعب يرددون له يمين الولاء والمبايعة اليمين الملكية: «أحلف بالله العظيم أنى أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه»
قصة ملوك ورؤساء مصـر مع «اليمين الدستورية»

موكب تتويج السلطان فؤاد الأول ويجلس بجواره رئيس الوزراء حسين رشدي باشا


يا لها من لحظات استثنائية فى حياة كل من يجلس على عرش مصر.. تلك التى يكلل فيها رأسه بتاج أم الدنيا.. حيث أول مرة يعرف فيها الموكب المهيب.. التى سيسمع بعدها لقب «جلالة الملك» أو «فخامة الرئيس».. حيث أكاليل الغار ستكون دوما فى انتظاره فى حله وترحاله.. ويا له من خشوع يبديه وهو بين يدى شعبه قبل أن يتذوق حلاوة السلطة.. وقبل أن تسرى «دماء الجبروت» فى عروقه.. ليتحول بعدها إلى «رهبوت» فى قلوب رعاياه.. يقسم دوما بالله العظيم على أن «يحافظ على سلامة الوطن واستقلال أراضيه».. لكنه فور أن ينتهى القسم.. كأن شيئا فيه لم يكن.. ولذلك لا تستغرب إذا وجدت أن نهايات من حكمونا بداية من فؤاد الأول حتى مبارك كانت إما الموت كمدا.. أو قتلا.. أو حتى خلعا.. وفى الأخير تبقى مصر دوما.  

«الشروق» فى هذا الملف تعرض لهذه اللحظة الاستثنائية التى يعيشها حكام مصر.. لحظة حلف «اليمين الدستورية» أو لحظة التنصيب أو التتويج.. من أول السلطان أحمد فؤاد الأول، (أصبح ملكا بعد ذلك)، والذى احتفل بتتويجه سلطانا على المحروسة بموكب مهيب سار به من قصر البستان حتى سراى عابدين.. مرورا بذلك الاحتفال الأسطورى الذى أقيم للمليك الشاب فاروق الأول عام 1937، ومقارنته بالملك الفرعونى «أمنحتب الثانى» الذى تولى عرش مصر ــ كما فاروق فى الثامنة عشرة من عمره ــ لتخرج صحيفة «المصرى» لتتلو على الشعب نصا فرعونيا فى عنوانها الرئيسى كتب لأمنحتب يقول «والآن أشرق جلالته ملكا على البلاد وهو لا يزال شابا حسن الطلعة.. فتى الجسم.. رشيق ممشوق القوام عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره فى شدة وقوة ونضارة».

وينتقل بك «الملف» إلى قصص حلف اليمين الدستورية فى عهد الجمهورية، لتجد أن محمد نجيب وجمال عبد الناصر ــ فى ولايته الأولى ــ قد حلفا اليمين أمام مجلس قيادة الثورة.. لأن مجلس الأمة كان معطلا وقتها.. فيما أداها الرئيس أنور السادات من مجلس الشعب، وكذلك حسنى مبارك، الذى قال لشعبه يومها «لا عصمة لأحد من سيف القانون القاطع الذى لا يفرق بين قوى وضعيف أو غنى وفقير.. وأعلن لكل اللاعبين بالنار أن نار الشعب هى الأقوى».

فؤاد الأول .. موكب التتويج

الملك أحمد فؤاد الأول، هو أحد أبناء إسماعيل باشا ابن إبراهيم ابن محمد على باشا، وهو الشقيق الأصغر للسلطان حسين كامل، وهو مولود فى 26 مارس 1868 فى قصر والده الخديو إسماعيل، وكان أصغر أبنائه وكان الخديوى إسماعيل قد أنشأ مدرسة خاصة فى قصر عابدين لتعليم أولاده فأدخل ابنه فؤاد فيها ولما بلغ السابعة من عمره أرسله أبوه  إلى مدرسة «توديكم» الخاصة فى سويسرا.

وفى تلك الفترة تم خلع إسماعيل ونفى إلى إيطاليا، ولحق به فؤاد ليتعلم هناك فى قصر «فلورنيا» الملكى، ثم درس فى المدرسة الملكية الإعدادية فى «تورينو»، وانتقل منها إلى مدرسة «تورينو الحربية»، وتخرج فيها عام 1888، وانضم للجيش الإيطالى لعامين ثم عينه السلطان عبدالحميد ياورا له فى البلاط السلطانى ثم استدعاه الخديو عباس حلمى الثانى لمصر وعينه ياورا له.

وعن ظروف توليه حكم مصر قال المؤرخ المصرى الكبير عبد الرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 1919.. تاريخ مصر القومى من سنة 1914 إلى سنة 1921» إنه «فى أوائل شهر أكتوبر سنة 1917 اشتد المرض بالسلطان حسين كامل (21 نوفمبر 1853 ــ 9 أكتوبر 1917) ولزم الفراش، ويئس الأطباء من شفائه، وأخذت العلة تلح عليه، حتى وافاه الأجل المحتوم يوم 9 أكتوبر سنة 1917 (22 ذى الحجة سنة 1335) وشيعت جنازته فى احتفال مهيب، حيث نقل جثمانه من قصر عابدين إلى مدافن الأسرة المالكة فى مسجد الرفاعى.

وكان السلطان حسين كامل قد عرض قبل وفاته على نجله الوحيد الأمير كمال الدين حسين عرش مصر، ليخلفه عليه من بعده، ولم يكن قد تقرر نظام لوراثة العرش تحت الحماية (البريطانية)، ولكن الأمير تنحى عن القبول، وأرسل إلى والده كتابا فى 8 أكتوبر سنة 1917 قبل وفاته بيوم واحد يعتذر فيه عن عدم قبول وراثة العرش.

بعد أن اعتذر الأمير كمال الدين حسين، ارتقى السلطان (أصبح ملكا فيما بعد) أحمد فؤاد عرش مصر يوم 9 أكتوبر سنة 1917، وأرسل إليه السير «رجنلد ونجت» المندوب السامى البريطانى خطاب تهنئة بهذه المناسبة، جاء فيها «إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية تريد أن تجدد لعظمتكم بهذه المناسبة التأكيدات التى أعطتها لسلف عظمتكم عند ارتقائه العرش، وهى مقتنعة أن فى استطاعتها أن تعتمد فى العمل مع عظمتكم على تلك الصداقة التى كانت شعارا لحكم السلطان المرحوم، وعادت ثمراتها على البلاد بازدياد الرفاهية والتقدم».

ويقول الرافعى إنه «قد بدا فى طريقة ولاية السلطان فؤاد العرش ــ كما بدا فى ولاية السلطان حسين كامل من قبل ــ مبلغ التدخل البريطانى فى أعظم المهام الداخلية شأنا، إذ جعلت الحكومة البريطانية مصدر ولاية العرش بقولها فى هذه الوثيقة «إن حكومة صاحب الجلالة البريطانية تعرض على عظمتكم نبوء هذا العرش السامى».

وتم الاحتفال بتنصيب السلطان فؤاد يوم 11 أكتوبر سنة 1917، وانتقل موكبه من قصر البستان (وسط القاهرة) إلى سراى عابدين، حيث استقبل المهنئين». ولم يؤد اليمين الدستورية أمام الجمعية التشريعية (البرلمان) لأنها كانت معطلة منذ قيام الحرب العالمية الأولى فى عام 1914.

وظل أحمد فؤاد على عرش مصر إلى أن توفى فى 28 أبريل 1936 ودفن فى مسجد الرفاعى ليخلفه ابنه الملك فاروق ملكا على مصر، وكان الملك فؤاد ينادى باسم سيد النوبة وكردفان ودارفور، كما ترأس اللجنة التى قامت بتأسيس وتنظيم الجامعة الأهلية «القاهرة حاليا»، وفى عهده اندلعت ثورة ١٩١٩ ورفعت بريطانيا الحماية عن مصر واعترفت بها مملكة مستقلة ذات سيادة، فأعلن فؤاد الاستقلال فى ١٢ مارس ١٩٢٢، وفى عهده صدر دستور سنة ١٩٢٣.

كما تألفت فى عهده أول وزارة شعبية برئاسة سعد زغلول، وكانت هناك محاولات ومساع لجعل فؤاد خليفة للمسلمين بعدما ألغى أتاتورك الخلافة العثمانية عام ١٩٥٤ لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، وسعى فؤاد لدى بريطانيا لتعديل نظام وراثة الحكم فى مصر لينحصر فى ذريته بدلا من أكبر أبناء الأسرة العلوية، فكان له ما أراد وأصدر أمرا ملكيا فى 13 أبريل سنة 1922 بنظام وراثة العرش، وأصبح اللقب الرسمى لفاروق هو «حضرة صاحب السمو الملكى الأمير فاروق» كما لقب بأمير الصعيد.




فاروق.. احتفال أسطورى

توفى الملك أحمد فؤاد الأول يوم الثلاثاء 28 أبريل سنة 1936، وكان ولى عهده الملك فاروق يتلقى تعليمه فى إنجلترا فى قصر «كنرى هاوس» حين مات والده، فلما أبلغ بالوفاة حضر إلى مصر على عجل، فوصل الإسكندرية يوم الأربعاء 6 مايو 1936، وحضر على الفور إلى القاهرة فاستقبله الشعب فى المدينتين وعلى طول الطريق بأعظم مظاهر الحفاوة والتكريم، وتبوأ العرش فى هذا اليوم وهو عيد جلوسه. ولكن لأن الملك فاروق كان قاصرا، تم تشكيل مجلس وصاية رأسه ابن عمه الأمير محمد على باشا توفيق، وذلك كونه أكبر أمراء الأسرة العلوية سنا، واستمرت مدة الوصاية نحو 15 شهرا إذ إن والدته الملكة نازلى خافت من أن يطمع الأمير محمد على بالحكم ويأخذه لنفسه، فأخذت فتوى من شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى بأن يحسب عمره بالتاريخ الهجرى، وأدّى ذلك إلى عودته من رحلته الدراسية فى إنجلترا، والتى بدأها بعد تولى مجلس الوصاية على عرشه مقاليد الأمور فى البلاد، ليتوج ملكا رسميا بتاريخ 29 يوليو 1937، قام بعدها بتعيين الأمير محمد على باشا وليا للعهد والذى ظل به حتى ولادة ابنه أحمد فؤاد الثانى فى يناير 1952م.

ولم تشهد مصر احتفالات صاخبة عند تولى أى من ملوكها ورؤسائها سلطاته الدستورية قدر الاحتفال بتنصيب الملك فاروق، ذلك أن الاحتفالات بدأت قبل وصول الملك إلى مصر من رحلته الدراسية، حيث أعلنت كل مؤسسات مصر وهيئاتها ومديرياتها ومدنها برنامجا خاصا لاستقبال الملك، وفى هذا السياق نشرت صحيفة «المصرى» الوفدية فى عددها الصادر يوم 25 يوليو 1937، صفحة كاملة عن هذه الاستعدادات فقالت «جاءنا من نقابة عمال شركة الغزل الأهلية المصرية، ومن الاتحاد الفنى للتمثيل والسينما أنهما قررتا الاشتراك فى الاحتفال بإقامة الزينات وإحياء حفلة ساهرة كبرى كذلك، وجاءنا من نقابة التعليم الأولى الأميرى القديم، ومن أصحاب محلات الطرابيش بالقطر المصرى أنهم قرروا إقامة الزينات، واستقبال المليك المحبوب وتوزيع الصدقات على الفقراء».

وأضافت الصحيفة بأن «مجلس إدارة جمعية الإخوان المسلمين فى الإسماعيلية قرر الاحتفال بتتويج جلالة الملك فاروق الأول بعمل الزينات بالأنوار الكهربائية والأعلام على دار الجمعية، وإحياء الليلة بآى الذكر الحكيم والتنويه بهذا العهد السعيد المبارك عهد الحرية والاستقلال، كما سافرت فرقة الرحلات التابعة للجمعية إلى مصر (القاهرة) للاحتفال بها. وقررت مجلس إدارة الإخوان المسلمين بالسويس الاحتفال بتتويج حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق المفدى بإقامة معالم الزينة على دارها ونحر الذبائح لإطعام الفقراء والمساكين، وإلقاء محاضرة»، وكانت لجان الوفد فى كل شبر على أرض مصر تجهز احتفالات كبيرة بمناسبة عودة وتتويج الملك فاروق.

وكانت الاستعدادات لمراسم حلف اليمين الدستورية بمقر مجلس النواب (مجلس الشعب الآن) تسير على قدم وساق، وكانت الصحف المصرية تتبارى فى نشر أدق تفاصيلها بداية من نوعية الثياب التى سيرتدها الحضور رجالا ونساء، حتى مقاعد الجلوس، والأبواب المخصصة لكل زائر حسب وضعه فى البروتوكول. وقد حددت ملابس الحضور بـ«ملابس السهرة والأوسمة» لحضرات السيدات، وكسوة التشريفة الكبرى والأوسمة لحضرات المعتمدين السياسيين، والنياشين لأعيان الأجانب، وكسوة التشريفة والنياشين لذوى الرتب من المدعوين المصريين والأجانب الموظفين بالحكومة المصرية، وملابس السهرة والنياشين لغير ذوى الرتب، وكسوة التشريفة الكبرى للعسكريين، وملابس السهرة وشارة العضوية لأعضاء مجلسى الشيوخ والنواب. وفى هذا اليوم التاريخى ووفقا للبروتوكول، ففى تمام الساعة السابعة من صباح يوم حلف اليمين كان جميع الموظفين المكلفين بالاستقبال حضروا إلى البرلمان واتخذ كل منهم مكانه المحدد، وجاءت اللحظة الحاسمة، ودخل الموكب الملكى إلى حديقة سراى البرلمان من الباب الخارجى الشرقى بشارع مجلس النواب، متجها إلى الباب الملكى بالجهة الغربية لبناء المجلس، وبمجرد نزول الملك من العربة الملكية قام قومندان بوليس البرلمان برفع العلم على دار البرلمان، وكان أعضاء اللجنة البرلمانية من أعضاء مكتبى مجلسى النواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق