بعد سنوات من إيثار الصمت يخرج المستشار محمود أبوالليل راشد عبر صفحات «الشروق» ليدلى بشهادته عن فترة توليه وزارة العدل بين عامى 2004 و2006.. تلك الفترة التى كانت مفصلية وحاسمة فى تاريخ مصر، ويرى مراقبون أنها شهدت أول الأحداث التى مهدت لثورة 25 يناير وإسقاط نظام الرئيس مبارك، مثل انتخابات 2005 وتغيير قيادة الحزب الوطنى ليبرز جمال مبارك وأعضاء مجموعة «السياسات»، وكذلك تعديل المواد الدستورية ليلغى الإشراف القضائى ويقتصر الترشح للرئاسة على زعيم الحزب الوطنى
.يكشف أبوالليل عن ممارسة الرئيس السابق حسنى مبارك ضغوطا عليه لإحالة المستشارين هشام البسطويسى ومحمود مكى، رمزى تيار الاستقلال القضائى، إلى التأديب، كما يروى الأسباب التى دفعته للاستقالة ليكون الوزير الوحيد الذى يتقدم باستقالته طوال عهد مبارك، ويوضح أن الحزب الوطنى غضب منه لعدم التنسيق معه قبل إعلان تقدم الإخوان فى المرحلة الأولى من انتخابات 2005.كما يكشف أبوالليل عن دور جمال مبارك فى صياغة التشريعات خلال تلك الفترة، ورفض الرئاسة نقل تبعية التفتيش القضائى من وزارة العدل، والتغيير الشخصى الذى طرأ على حسنى مبارك بعد الدفع بابنه إلى الواجهة السياسية، ويؤكد أن خطاب تخلى الرئيس السابق عن السلطة ليست له قيمة قانونية وأن إنجاح الثورة يتطلب حل جميع المجالس المحلية وإعداد حركة جديدة للمحافظين.
● ما ظروف اختيارك وزيرا للعدل عام 2004؟
ـ بدأت العمل العام محافظا لكفرالشيخ عام 1996 ثم محافظا للجيزة منذ 1999، ثم تم اختيارى وزيرا خلفا للمستشار فاروق سيف النصر الذى تولى الوزارة 19 سنة، وجاء اختيارى بناء على خبرتى الإدارية الطويلة رغم أن قائمة المرشحين للوزارة ضمت زملاء عديدين.
وكنت مهتما منذ أيامى الأولى بإخراج قانون السلطة القضائية إلى النور بعد سنوات طويلة من مناشدة الوزارة البدء فى مناقشته وتمريره، كما اهتممت بتطوير العمل داخل إدارات الوزارة، ووجهت القضاة لضرورة سرعة الفصل فى القضايا، وقامت الوزارة خلال 4 أشهر فقط بإعداد أبنية محاكم الأسرة الجديدة وتدريب القضاة للعمل بهذه المحاكم بدءا من أكتوبر 2004.
كما خصصت لأندية القضاة أكبر ميزانيات فى تاريخها وحرصت على زيارة جميع محاكم مصر والالتحام بالقضاة فى كل مكان للاستماع لمشاكلهم وتحسين أوضاعهم.
● وما شهادتك من موقعك كوزير للعدل على الأحداث السياسية التى شهدتها مصر فى تلك الفترة؟
ـ كانت فترة الوزارة من أصعب فترات العمل السياسى فى تاريخ مصر وأوكلت لوزارة العدل مهام كبيرة، مثل إعداد تعديلات القوانين السياسية والاجتماعية، مثل مباشرة الحقوق السياسية، الأحزاب، مجلسى الشعب والشورى، وإلغاء مواد الحبس فى جرائم النشر بقانون العقوبات، وكذلك قانون السلطة القضائية، وكان شريكى فى إعداد هذه التشريعات المستشار سرى صيام، رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى حاليا، والذى كان فى تلك الفترة مساعدى للتشريع وهو من خيرة القضاة المتمرسين على التشريع.
لكننا عانينا من تدخل سياسى كبير فى عملنا وتحكم من جانب الحزب الوطنى فى صياغة هذه القوانين لتقييد الحريات، وتمرير ما يحلو للحزب من تعديلات عبر مجلسى الشعب والشورى، حيث تم تعديل المادة 76 من الدستور لتسمح بإجراء أول انتخابات رئاسية، حيث تم تعديلها بإضافة شروط تعجيزية لإعاقة راغبى الترشيح وقصر المسألة على مرشح الحزب الوطنى.
● من الذى قام بصياغة المادة 76 بهذا الشكل، وهل شاركت وزارة العدل فيها؟
ـ مجموعة من قيادات الحزب الوطنى، على رأسهم جمال مبارك، وعدد من المستشارين القانونيين للرئاسة، ولم يشارك أى ممثل عن وزارة العدل فيها، وأكد المستشار سرى صيام أنه فوجئ بوجود ترتيب معين لإعلان التعديل ومضبطة تحضيرية لمجلس الشعب عن المادة لم تتطرق أبدا لدور وزارة العدل.
● كيف كان يتم تشريع القوانين فى تلك الفترة؟
ـ مجلس الشعب لم يكن له قيمة سياسية أو تشريعية حقيقية، وكانت مشروعات القوانين تبدأ بأفكار من الحزب الوطنى ثم تحال إلى مجموعة وزارية تضم رئيس الوزراء ووزيرى العدل وشئون مجلسى الشعب والشورى ورئيسى المجلسين، وكان جمال مبارك يحضر دائما هذه الاجتماعات، بل كان هو من يدير الحوار، وكنت مع صيام نحاول فرض صياغات قانونية تحقق انفتاحا سياسيا، وكان باقى الأعضاء يرفضونها دائما.
● وكيف كنت تتعامل مع جمال مبارك؟
ـ كان التعامل فى البداية عاديا ثم حدث بيننا خلاف أثناء إعداد قانون السلطة القضائية.. لأننى كنت قد عاهدت الله على إخراج القانون بشكل يضمن الاستقلال الحقيقى للقضاة بعيدا عن تدخل الجهات التنفيذية بما فيها وزارة العدل، ونسقت مع مجلس إدارة نادى القضاة برئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز فى التعديلات، وكنت أؤيد تماما تبعية التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى بدلا من وزارة العدل، ووافقت على هذا فى خطاب رسمى وجهته للمستشار فتحى خليفة، رئيس مجلس القضاء آنذاك، فى يونيو 2005.
وبعد إرسالى هذا الخطاب بأيام اجتمعت المجموعة الوزارية المختصة بإعداد القانون فى حضور رئيسى مجلسى الشعب والشورى وجمال مبارك، ففوجئت بأن جمال يصر على استمرار تبعية التفتيش القضائى لوزارة العدل بهدف فرض سيطرة الدولة على القضاة، فاعترضت وقلت: لست أنا الوزير الذى يوافق على ذلك.
وساندنى رئيس الحكومة أحمد نظيف وقال لجمال «مينفعش يرجع الوزير فى كلامه، انتو بكده هتحرجوه قدام القضاة وكأن خطابه مالوش قيمة».
● وماذا كان رأى الرئيس مبارك؟
ـ التقيت فيما بعد بزكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، فى مكتب الوزير مفيد شهاب، وتناقشنا حول المسألة ذاتها، فأخبرنى برفض الرئيس فصل التفتيش عن وزارة العدل فى الوقت الحالى واستطرد: «احنا فى مرحلة صعبة وداخلين على انتخابات، واللى ما يتحققش النهارده يتحقق بكرة».. وكان الاعتقاد السائد فى هذه الأوساط أن بقاء التفتيش تابعا للوزارة سيجعل القضاة تحت السيطرة.
● تحت أى بند كان يتدخل جمال مبارك فى تشريع قانون السلطة القضائية؟
ـ لم يكن «جمال» على علم أو خبرة، بل كان قدرا مفروضا علينا، يحضر كل الجلسات الخاصة بتعديل القوانين كأمين لسياسات الوطنى، وكلمته مسموعة وسارية على كبار قيادات الحزب.
● كيف أدرت انتخابات مجلس الشعب عام 2005؟
ـ هذه الانتخابات كانت الأكبر والأفضل فى تاريخ مصر، لكنها أيضا كانت سببا فى غضب القضاة، قدمت من خلالها إشرافا قضائيا كاملا على الانتخابات المصرية تحقيقا لمبدأ «قاضٍ على كل صندوق»، علما بأننى كنت رافضا تولى رئاسة اللجنة العليا للانتخابات، وطالبت الحكومة بإسنادها لرئيس محكمة استئناف القاهرة، لكنها رفضت وأصرت على أن قيادة وزير العدل للجنة سيضبط إيقاعها ويكسبها اهتماما أكبر.
أجرينا الانتخابات على 3 مراحل موزعة على 33 ألف لجنة فرعية يتصارع فيها 5177 مرشحا ودفعنا للإشراف عليها 13500 قاضٍ وأعضاء من هيئتى قضايا الدولة والنيابة الإدارية.
كنا نتلقى شكاوى عديدة من المرشحين ونباشر حلها، وأذكر منها أن مصطفى بكرى اتصل بى صباح يوم الانتخاب وطلب تغيير رئيس لجنة فرعية كان ينظر قضية ضده، فأمرت مساعدى المستشار انتصار نسيم باستبدال هذا القاضى، وكذلك تلقيت شكوى من حمدين صباحى بوجود اعتداءات على اللجان فى بلطيم واستطعنا تأمينها، وفاز الاثنان.
كما منحنا منظمات المجتمع المدنى 7 آلاف تصريح مراقبة لأول مرة فى تاريخ مصر، وحصرنا فى كل لجنة ما لا يزيد على 1200 ناخب لتمكين القضاة من المراقبة الحقيقية، ومنعنا إقامة اللجان الانتخابية فى مقار الشرطة لأول مرة.
فى هذه الظروف أسفرت المرحلة الأولى عن نجاح كبير لمرشحى الإخوان، مما أثار غضب الحزب الوطنى، ثم أقمت مؤتمرا صحفيا عالميا لإعلان النتيجة، فاتصل بى فى المساء قيادى كبير فى الحزب يلومنى على «إعلان النتيجة بهذا الشكل قبل التنسيق مع الحزب» فرددت عليه بأننى لا أستطيع التدخل فى النتيجة لأن كل لجنة بها قاضٍ، وأنا رجل قضاء لا أستطيع مخالفة مبادئى، فرد علىّ قائلا: «هو انت مش معانا؟» فانفعلت عليه وقلت له: إنى معكم شريطة احترام عمل اللجنة العليا والإشراف القضائى على الانتخابات.
● وماذا حدث فى المرحلتين الثانية والثالثة؟
ـ بعد هذا الاتصال توقعت شرا، لكن لم يحدث لأنه على ما يبدو كانت معلومات الحزب الوطنى الاستطلاعية لقوة منافسيه خاطئة وغير دقيقة، ففوجئوا مرة أخرى بنتائج مخيبة لآمالهم، علما بأننا رصدنا بعض محاولات إغلاق اللجان تصدى لها القضاة.
لكن المرحلة الثالثة كانت «حياة أو موت» بالنسبة للوطنى، فبدأت الاتصالات تنهال عليّ من القضاة يشكون إغلاق اللجان من الصباح الباكر ومنع الناخبين وحصار اللجان، فشعرت بالقلق على سلامة القضاة، فاتصلت صباحا بوزير الداخلية حبيب العادلى وأعلمته بالشكاوى فأجابنى مدعيا استنكار الأمر «ازاى ده يحصل.. أنا هشوف».. ولم أستطع الوصول إليه فيما بعد على مدار اليوم، فتوليت بنفسى الاتصال بمديرى الأمن لحماية القضاة، وتأكدت أنهم تلقوا أوامر مشددة بمنع تكرار نتيجة المرحلتين السابقتين.
وفى ظل هذا التربص الأمنى كان القضاة يعانون من صعوبة نقل الصناديق إلى اللجان العامة، حتى أن بعضهم كانوا يستأجرون «جرارات زراعية» ويجلسون على الصناديق لتأمين وصولها.
● ماذا كان رد فعلك على هذه التجاوزات؟
ـ اتصل بى السفير ناصر كامل، رئيس هيئة الاستعلامات آنذاك وسفير مصر فى فرنسا فيما بعد، لإعداد المؤتمر الصحفى لإعلان نتيجة المرحلة، فرفضت إعلانها بنفسى احتجاجا، وقلت له: كيف أعلن نتيجة انتخابات شهدت كل هذا التدخل الأمنى.
● وماذا كان رد فعل القضاة؟
ـ ثاروا ضد تدخل الأمن وضد زملائهم الذين أشرفوا على لجان شهدت نتائج غير طبيعية مثل الدقى ودمنهور، وكثفوا تحركاتهم مطالبين بقانون السلطة القضائية ونزلوا إلى الشارع فى مظاهرات بالأوشحة، كما بدأ بعضهم فى إبداء شهاداتهم مثل نهى الزينى، عضو النيابة الإدارية، التى استقبلتها فى مكتبى ورفضت طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية معاقبتها على نشر شهادتها فى الصحف.
● ما رأيك فى تظاهر القضاة بالأوشحة؟
ـ القضاة شعروا بعد الانتخابات بالهزيمة وعدم تمكنهم من الحصول على حقوقهم، لذلك تحمسوا وانفعلوا فى مواجهة دولة تحاول قمعهم، وقيل وقتها إن نزول القضاة بالأوشحة ليس سابقة بل حدث فى بلاد أخرى.
● ما القصة الحقيقية لإحالة القاضيين هشام البسطويسى ومحمود مكى للتأديب؟
ـ كان القاضيان نائبين لرئيس محكمة النقض وبعد الانتخابات تقدم مستشار كان يرأس لجنة عامة بشكوى ضدهما يقول إنهما نسبا إليه تزوير الانتخابات وطلبا تطهير القضاة من أمثاله واتهما مجلس القضاء الأعلى بالتواطؤ والتستر على القضاة المزورين، فحققت النيابة العامة فى البلاغ، وانتهت إلى طلب تحريك الدعوى التأديبية ضدهما وأرسلت لى ملف القضية.
حصلت على الأوراق وتداولت فيها مع مساعدى الأول المستشار عصام حسين واستقر رأينا على عدم إحالتهما للتأديب وأعطيته الأوراق ووضعها فى درج مكتبه، حتى بدأت الضغوط لتحريك الدعوى التأديبية.
● هل تدخلت الرئاسة فى الموضوع؟
ـ تلقيت عدة اتصالات من رئاسة الجمهورية تستفسر عن سبب تأخير إحالة القاضيين للتأديب، ثم اتصل بى مبارك نفسه يسأل عن الموضوع، فشرحت له أسباب تحفظى على الإحالة وأن هذا سيؤدى لاستفزاز القضاة واستعدائهم، وهم ثائرون أصلا، فاقتنع بكلامى ووافق على عدم إحالتهما، ووضعت سماعة الهاتف وأنا سعيد ومرتاح.
لكن سعادتى لم تدم أكثر من 10 دقائق حيث اتصل بى زكريا عزمى وقال: «الرئيس يخبرك بضرورة إحالتهما للتأديب ودى تعليمات ولازم تتنفذ»، فأبديت استغرابى من التحول المفاجئ، فأخبرنى عزمى بأن مبارك عرض وجهة نظرى على مجلس القضاء الأعلى وأصر المجلس على محاسبة القاضيين لما رآه من تجاوزهما فى حقه.
وكانت لحظة توقيعى قرار إحالة البسطويسى ومكى للتأديب أسوأ لحظات حياتى، لأننى كنت مقتنعا بضرورة إغلاق الملف، وأجبرت على عكس ذلك.
● ماذا حدث بعد ذلك؟
ـ علمت أن البسطويسى مرض ويرقد فى العناية المركزة، فقررت زيارته بمفردى دون أن أخبر أحدا فى الوزارة.. دخلت عليه حجرته بالمستشفى وأصابته حالة من الدهشة، قبلته فى رأسه ودار بيننا حوار حول الأزمة وأخبرنى بأنه يقدر موقفى ويفهم أن الإحالة كانت تحت ضغط كبير، ونشرت صحيفة صورتى وأنا أقبل رأس البسطويسى فى اليوم التالى لأتلقى اتصالات هاتفية من الرئاسة وزملائى الوزراء تلومنى على هذه الزيارة، فرددت عليهم بأن البسطويسى زميل مريض ويجب علىّ عيادته.
● هل كانت الرئاسة تتدخل فى علاقتك بالقضاة؟
ـ نعم، فبعد هذه الأحداث دعانى مجلس إدارة نادى القضاة لافتتاح القاعة الشرقية، وكتب اسمى على اللوحة التذكارية، فطلب منى زكريا عزمى عدم حضور الحفل، فرفضت الانصياع وشاركت زملائى حفلهم على عكس رغبتهم، وأدت هذه الأحداث إلى تراكمات نفسية كثيرة جعلتنى أشعر بصعوبة استمرارى فى موقعى وأنا عاجز عن تحقيق أهدافى.
● متى بدأت تفكر فى الاستقالة؟
ـ عندما شعرت بوجود توجه من الدولة لعدم التعامل مع نادى القضاة، وكنت أشعر طول الوقت أننى أؤدى عملا ضد مبادئى، وأنى لا أستطيع تنفيذ مشاريعى وهم يريدون منى خدمة مشروعهم الحزبى، وخشيت أن ينفد رصيدى الإنسانى والتاريخى لدى القضاة إذا بقيت فى موقعى.
● كيف تقدمت باستقالتك؟
ـ اتصلت بالدكتور نظيف وعرضت عليه الاستقالة دون أن أخبر أحدا قبله حتى أسرتى، وبررتها بسوء حالتى الصحية، وأوصل رغبتى للرئيس الذى قبلها، ويبدو لى أن استقالتى كانت على هوى النظام وكأنهم قالوا «بركة يا جامع» حتى لا يبدو إبعادى فى صيغة الإقالة فيثور القضاة، وأعلن قبول استقالتى بعد 10 أيام وتم تعيين المستشار ممدوح مرعى وزيرا للعدل.
استقبلنى مبارك فى يوم حلف اليمين للوزراء الجدد ومنحنى وسام الجمهورية وشكرنى على فترة عملى محافظا ووزيرا، ووصف خطاب استقالتى فى حديث صحفى له بـ«الرقيق»، وأعتقد أن سبب منحى هذا الوسام هو محاولة النظام إرضاء القضاة وإيهام الناس بأننى استقلت وهم راضون عنى وليس بسبب الخلافات.
● ما هو انطباعك عن شخصية مبارك خلال لقاءاتك المتعددة به؟
ـ طرأ تغيير كبير على شخصية مبارك بين فترة خدمتى محافظا لكفرالشيخ والجيزة وفترة وزارة العدل، فعندما كنت محافظا (نهاية التسعينيات وبداية الألفية) كان الرئيس متابعا جيدا لكل ما يجرى ومهتما جدا بالاستفسار عن حال كل شىء، وكنت ألمس ذلك عن قرب خلال زياراته الميدانية بالمحافظة.
ذات يوم وجدته يتصل ويطلب منى ترشيح نائب لمحافظ الجيزة، فسألته عما إذا كان لاحظ تقصيرا فى عملى، فنفى، وأكد أنه يرغب فى إعداد كوادر جديدة، فرشحت اللواء ياسين بدوى ووافق على الفور وعينه.
وبعدما توليت الوزارة لاحظت أنه أصبح غير قابل للنقاش أو الحوار، كما ترك خيوطا كثيرة لإدارة الدولة فى يد ابنه جمال.
● كيف لمست إدارة جمال مبارك للدولة؟
ـ كان جمال يحسم أمورا كثيرة بمعزل عن والده، وأؤكد أن تصعيد جمال كان مشروعا عائليا شارك فيه الرئيس وزوجته ومهدا له بصورة هادئة حتى تبلور فى شكل محاولة التوريث لتبقى الرئاسة فى حضن الأسرة، وكان هناك توافق كامل بين أفراد الأسرة على أن يكون جمال فى هذا الموقع، حتى أنه فى بعض الأحيان كان يعامل الآخرين كرئيس للبلاد.
● وما المكانة التى كان يحتلها القضاء عند مبارك؟
ـ كان يدعى دائما أنه يقدر السلطة القضائية وأننا نعيش فى دولة قانون، وفى الحقيقة كان يقف ضد القضاء فى أمور عديدة واتخذ مواقف سلبية من نادى القضاة ووضع قيودا على علاقة السلطة التنفيذية بالقضاة، فكانت هناك فجوة كبيرة بين القول والفعل.
● ما الأسباب التى أدت إلى ثورة 25 يناير؟
ـ التردى الشامل فى الأوضاع السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية فى آخر 20 سنة من حكمه والفساد وسيطرة رأس المال، وانهيار مكانة مصر العالمية والعربية حتى أدت دورا سلبيا فى كارثة حصار غزة، وبلغ الفساد ذروته فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التى كانت بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، لأن المواطنين كانوا يأملون فى إحداث تغيير بهذه الانتخابات، فاكتشفوا أنهم عاجزون حتى عن اختيار ممثليهم.
● ما تقييمك للانتخابات التشريعية الأخيرة؟
ـ كانت مزيجا من الغباء السياسى والتزوير الكامل خوفا من تكرار نتيجة 2005، فى غياب الإشراف القضائى الذى هو الضمانة الوحيدة للديمقراطية، فلا يمكن الاعتماد على رؤساء لجان فرعية من الموظفين لمراقبة انتخابات نزيهة، كما أن المواطن عندما يعلم بأن القاضى هو رئيس اللجنة يتحمس أكثر للإدلاء بصوته ويشعر بأن صوته له قيمة وسيذهب لمن يستحقه.
● وما رأيك فى سياسة إهدار أحكام القضاء فى العهد السابق؟
ـ كان هذا أيضا من أسباب ثورة 25 يناير.. فمن المصرى الذى يقبل استمرار تصدير الغاز لإسرائيل وغزة محاصرة وقرى مصرية بدون إنارة؟ ومن يقبل بتشكيل لجنة لبحث تنفيذ حكم نهائى مثل حكم بطلان عقد «مدينتى» بهدف الالتفاف على الحكم وادعاء تنفيذه أمام الرأى العام؟ ولا أحد يوافق على عدم تنفيذ أى حكم ببطلان الانتخابات.
● ما رؤيتك لثورة 25 يناير كحدث مفصلى فى تاريخ مصر؟
ـ أوجه التحية لشهداء الوطن الذين سيبقون فى ذاكرتنا إلى الأبد عنوانا للتضحية، وأحيى الشباب الذين نجحوا فيما عجزت أجيالنا عنه، وعندما أنظر إلى المظاهرات أشعر بالفخر وبأنها المرة الأولى التى تجد فيها هذا التنوع الكبير بين المتظاهرين من مسلمين ومسيحيين وأغنياء وفقراء ورجال ونساء.. الكل اجتمع على فساد النظام.
● ما تحليلك للوضع الدستورى القائم؟
ـ الشعب طالب بسقوط النظام ككل وليس بسقوط الرئيس فقط، وبقيام الثورة يسقط الرئيس والدستور والمجالس النيابية والحكومة والمجالس المحلية، لذلك كنت أرجو تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد لمصر يجعل الأمة مصدرا للسلطات ويحد من تغول السلطة التنفيذية ويضمن استقلالا كاملا للسلطة القضائية، ويتبنى النظام الجمهورى البرلمانى بدلا من الجمهورى الرئاسى والجمهورى المختلط، بحيث يكون رئيس الوزراء هو الرئيس الفعلى والمسئول أمام البرلمان ورئيس الجمهورية مجرد رمز.
● وما رأيك فيما انتهت إليه لجنة تعديل الدستور المشكلة بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟
ـ قدمت اللجنة تعديلات تلبى رغبات الشعب بصورة كبيرة خاصة إعادة الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات وإلزام السلطة القادمة بإعداد دستور جديد خلال فترة معينة.
● ما رؤيتك القانونية لخطاب تخلى الرئيس مبارك عن السلطة؟
ـ هذا الخطاب الذى أدلى به اللواء عمر سليمان ليست له أى قيمة قانونية، فكان يجب على الرئيس إصدار آخر قرار جمهورى له كرئيس للجمهورية بالتنحى وأن ينشر فى الوقائع الرسمية.وأؤكد أن القوات المسلحة لم تكتسب شرعيتها بقرار تخلى مبارك عن الحكم وتفويضه لها، بل من الثورة والمادة 180 من الدستور التى تنص على أن الجيش ملك للشعب يحمى البلاد وسلامة أراضيها وأمنها.
● ما الإجراءات التى يلزم اتخاذها الآن لإنجاح الثورة؟
ـ يجب حل جميع المجالس الشعبية المحلية لأنها بؤر فساد وجميع عناصرها من الحزب الوطنى الذى أصبح عدوا للنظام الجديد، والإبقاء على هذه المجالس فى أقاليم مصر وقراها يعنى إتاحة الفرصة للثورة المضادة التى بدأت تطفو على السطح وتظهر على هامشها أحداث غريبة مثل قتل رئيس مجلس إدارة شركة فى كفرالدوار وحرق ملفات خاصة وسرية بوزارة الداخلية.
كما يجب إعداد حركة جديدة للمحافظين لأنهم حاليا بدون شرعية لسقوط الرئيس الذى عينهم وهم يتبعونه وجودا وعدما بحكم القانون.
كما يجب محاسبة المسئولين عن قتل شهداء الثورة كما يجرى الآن التحقيق فى قضايا الفساد سواء بسواء.
● ما رأيك فى الاحتجاجات الفئوية والمظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة؟
ـ الفئات المطالبة بتحسين أوضاعها صبرت 360 شهرا فلماذا لا تصبر 6 أشهر إضافية حتى تخاطب رئيسا وحكومة منتخبين؟ أما مظاهرات إسقاط الحكومة فأنا مع استمرارها لأن هذه الحكومة تظل تابعة للحزب الوطنى مهما غيروا فيها وطعموها بأسماء جديدة، لكنى أرى أن تستمر المظاهرات أيام الجمعة فقط حتى لا تتأثر عجلة الإنتاج بالسلب.
● كيف تتحسن أوضاع القضاء بعد الثورة؟
ـ لم يتمكن الفساد من القضاء فى السنوات الماضية بالمقارنة بالسلطات الأخرى، والآن تتاح لنا فرصة ذهبية لتعديل قانون السلطة القضائية ونقل التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى بدلا من وزارة العدل، مع تخصيص موازنة حقيقية للمجلس، وإتاحة الفرصة أمام القضاة لانتخاب رؤساء المحاكم الابتدائية بالجمعيات العمومية وكذلك انتخاب النائب العام بنظام معين، وإلغاء سلطة وزير العدل على القضاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق